نظرة عدد من الآباء للمال وما ارتبط به من مفاهيم كالتواضع والقناعة والعفاف وكسب اليد…
تحمل في طياتها تشوهات كثيرة تجعل مناقشة موضوع الكسب مع الأجيال الصاعدة صعبة للغاية..
بل وتدفع الأبناء أحيانا إلى رفض كل ما جاء من نفس المصدر حتى ولو حوى أفكارا معقولة صحيحة تشكلت بفعل الخبرات المتراكمة التي عاشها أولياء الأمور.
وقد تعددت أسباب هذه التشوهات.. لكن أخطرها في نظري 3 أسباب:
1- اجتزاء نصوص الوحي عن سياقها وتحوير معانيها:
(قصدا أو بدون قصد)
فما جاء في باب دخول الفقراء الجنة بسرعة وأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخيط ثوبه، وأنه اختار أن يجوع يوما ويشبع يوما… الخ لا يعني أن الإسلام دعا إلى التقشف والفقر.. أو جعل من الغنى عكس الإسلام، بل بين فقط أن من ابتغى ذلك خارج الإطار السليم فهو في خسران..
بل إن المال مما يجعل المؤمن قويا وأحب عند الله، وأداء أمر الله بالإنفاق والصدقات والتوسيع على العيال … يقتضي كسب المال أولا، وذاك هو الوضع الأصلي الطبيعي للإنسان، والفقر طارئ عليه فقط.
2- الدعم العالمي للصوفية:
هذه الفكرة قد تصدم الكثيرين، لكن لا يخفى على المهتمين دعم أمريكا في السبعينات والثمانينات “الجماعات الصوفية” باعتبارها تمثل “قيم التسامح والعيش المشترك والزهد” لتضعيف “جماعات الإسلام السياسي”. فالصوفية كانت المطية لتخفيف المطالبة بالمشاركة السياسية لتسهيل الانسحاب العسكري للاحتلال من الدول الإسلامية مع ضمان أكبر نسبة من التحكم.
وقد استعملت الأنظمة العربية نفس الخطة لنشر فكرة الزهد في السياسة في الشعوب ليمتد إلى ترسيخ أفكار الزهد في الحياة بمعناه المشوه المرادف للعيش بأقل الموجود والقبول به بدعوى القناعة. وما زال استعمال نفس السلاح مع تعديل طفيف يتناسب مع الأجيال الجديدة:
مع التحولات السياسية الأخيرة، واقتناع جيل z بأهمية المال، يتم تقديم أمثال شيخ الزاوية الكركرية نموذجا: صور في اليخوت وملذات الحياة ويحاضر في الجامعات الأمريكية عن الذكاء الاصطناعي… لكنه لا يهتم البتة بالسياسة والحكم ولا أوضاع البلد، في محاولة لترسيخ الفردانية المقيتة.
3- الحملة المنظمة لخفض الهمم:
جملة قد تبدو مبهمة، لكني لم أجد تعبيرا أدق.
تجد صورة يد بناء نالت منها ظروف الحياة تحمل دراهم معدودة بتعليق بسيط: جابها بالحلال، إذن اللي لابس بذلة ومعه حاسوب.. كيف جابها؟
يعتزل الفنان “الغني” لينتقل إلى بيع العطور والجوارب في باب المسجد.
وصور ذهنية كثيرة رُسِّخت في أذهان أولئك الآباء جعلت قاموسا لغويا خطيرا يجهز على ما تبقى من همة: وسخ الدنيا؛ خانز فلوس؛ زبالة د الفلوس…
فكيف يمكن لمن تأثر بهذه الأفكار أن يناقش جيلا ليس أقل تشوها فكريا من والديه؟
- فمع الراتب والتقدير الخياليين للاعب الكرة والمغنيات (اللي عندهم كلشي إلا الصوت)؛ مع راقصي التكتوك واليوتوبرز والإنفلونسرز الأثرياء؛ مع أغنياء الفجأة المتداولون “قدس الله سرهم”؛ يكاد يكون التواصل مستحيلا..
وما دام هذا الجزء من الحياة ضمن مسؤولياتنا نحن المربين، فيجب علينا المسارعة بتصحيح ما علق في أذهاننا من أفكار خاطئة حول المال، لننتقل لتصحيح ما في أذهانهم هم..