أغلب تدخلات الآباء في تربية أبنائهم مبنية على رغبة خفية في تحقيق نموذج لم يتمكنوا هم من تحقيقه؛ إذ يعتمد الكثيرون على خبراتهم في الحياة فقط لتشكيل تصور حول ما يصلح وما لا يصلح لأبنائهم، فلا يحصلون بذلك إلا على نسخ مشوهة من أنفسهم، لأنهم يغفلون عن المتغيرات الجديدة من جهة، واستعدادات أبنائهم من جهة ثانية، وحدود مسؤوليتهم من جهة ثالثة.

على مستوى المتغيرات:

فالتسارع الذي عرفه التطور سواء في توفر المعلومة أو سهولة التواصل… وكذا تغير مظاهر القيم بل والقيم نفسها… يجعل تجربة الآباء الشخصية لوحدها قاصرة عن وضع تصور واضح لمستقبل الأبناء.

على مستوى استعدادات الأبناء وطموحاتهم:

إن المتتبع لتطور الأجيال يدرك التغير العجيب الحاصل من جيل “البومرز” (مواليد منتصف الأربعينات إلى منتصف الستينات) إلى جيل “ألفا” (ما بعد 2013).

هذا الاختلاف (المتعلق أساسا بالنظرة للحياة وترتيب الأولويات ونوع ومستوى القدرات وسقف التطلعات…) يجعل الآباء يفقدون مصداقيتهم الاقتراحية والاستشارية إذا لم يوظف بالطريقة الصائبة.

على مستوى حدود المسؤولية:

إن أكبر سبب في تشوه النموذج العملي للإسلام في بلداننا هو سلب الحرية وفرض الوصاية باستخدام النص الشرعي بطرق فجة.

عقوق الوالدين يكون فيما يتعلق بهما وليس فيما يتعلق بالأبناء أنفسهم.

فمخالفة الأبناء لآبائهم في رسم خطة الحياة والمسار الدراسي والاختيار المهني ومواصفات الشريك لا يدخل في العقوق.

وفي حال تنازل الابن عن رغباته من باب الإحسان والفضل لا الواجب فأكيد أنه ربه سيجازيه، لكن علينا ألا ننسى أن هناك عقوقا للأبناء أيضا.

وإذا كان الإسلام قد رفع يد ولي الأمر عن الذي بلغ سن الرشد (15 سنة كحد أقصى) فيما يخص التكليف الشرعي، فهل تساءلنا عن حدود مسؤوليتنا و”سلطتنا” على أبنائنا؟

المعضلة حدثت بفهمنا لنصوص الوحي من خلال التراث، لا محاولة فهمنا إياها كساعة أنزلت وأنها تخاطبنا مباشرة.

يفترض أن نتعامل مع القرآن والحديث على أنهما نزلا على قوم آخرين فهموه حسب علمهم وعملوا به حسب واقعهم، وعلينا أن نفعل ذلك نحن أيضا، وليس على أنهما نزلا وفسرا وقضي الأمر وما علينا إلا التنفيذ الحرفي (وياريت نفذناه حرفيا).

احرص على أن يكون أبناؤك أسعد منك؛
ادعمهم وانصحهم ورافقهم؛ في المسار الذي اختاروه هم.

وأنت.. في نظرك.. ما هي حدود الحرية؟

قد يهمك أيضا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *